: تسللت خيوط الشمس من نافذة صغيرة في أعلى الجدار، لتصل لجبين عجوز في العقد السابع من عمرها، سندت ظهرها على حائط غرفتها المظلمة، وتمتمت: "الله يهونها علينا.. مش ناقصنا غير الروائح الكريهة بالمخيم".
وأضافت "حتى الدواء أصبح الحصول عليه في غاية الصعوبة، فالعيادة مقفلة وثمن الدواء في الصيدلية غال ولا أستطيع شراءه، كما أن المواد التموينية التي كانت توزعها علينا الوكالة نفذت من البيت ولم يبقى لدي ما يكفي من الطحين حتى أخبز".
تلك كانت كلمات الحاجة "أم عدنان" التي تسكن في مخيم بلاطة للاجئين شرق مدينة نابلس بالضفة المحتلة، والتي وصفت حال المخيم في ظل إضراب العملين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" منذ أكثر من شهر.
وتشير أم عدنان إلى أن "روائح النفايات تملأ المخيم، وأحفادي الخمسة عشر لا يذهبون إلى المدارس، وضعنا صعب جدا، ألا يكفينا معاناتنا في العيش في بيوت لا تدخلها أشعة الشمس داخل المخيم؟ ألا يكفينا معاناة اللجوء ستون عاما؟ لتأتي الوكالة وتضيّق علينا وتزيد معاناتنا؟" كما قالت.
تعطل الخدمات
ويعاني المخيم من شلل تام في كل مناحي الحياة، لا صحة، لا تعليم، لا خدمات، الأطفال في الشوارع بعد أن أُغلقت أبواب المداس في وجوههم، وأصبحت الأزقة الضيقة مكانهم المفضل لقضاء يومهم.
أما في القطاع الصحي فحدِّث ولا حرج، فالمرضى المصابون بأمراض مزمنة شكَّل لهم الإضراب هاجسا مرعبا في ظل انقطاع الدواء عنهم، مما دعا الموظفين بالعيادة لتخصيص يوماً واحداً في الأسبوع لاستقبالهم وصرف بعض التحويلات الطبية المستعجلة.
آية (23 عاما) من مخيم عسكر بنابلس، قالت: "الإضراب سبب لي ولكثير من النساء الحوامل في المخيمات مشكلة كبيرة، فالمواعيد المحددة لنا للمراجعة ومتابعة الحمل وأخذ الأدوية اللازمة من العيادة تم إلغاؤها".
وتضيف "أجبرنا للذهاب لعيادات خاصة ودفع 50 شيكل فاتورة علاج، غير ثمن الدواء المرتفع من الصيدلية، وهناك الكثيرات لم يستطعن الذهاب ودفع هذه المبالغ".
أما الأمهات فقد اشتكين من طول فترة الإضراب، وناشدن اتحاد العاملين في الأونروا وإدارة الوكالة بضرورة الإسراع بحل القضية.
بسمة من مخيم عسكر ناشدت الوكالة والعاملين فيها بالإسراع بحل الإضراب، على الأقل في مجال التعليم، وفتح المدارس أمام الطلاب، "فأبناؤنا يضيعون منا، كما أن أيام التعويض التي سيجبرون عليها بعد فك الإضراب ستكون مرهقة جدا عليهم".
وتتابع "استمرار الإضراب يعني أن أيام التعويض التي ستفرض على أطفالنا ستكون متعبة جدا، وسيتم إعطاء مادة كبيرة من المنهاج بوقت قليل، وسيحرمون من العطلة بين الفصلين الأول والثاني، كما أنه من المؤكد ستلغى عطلة أيام السبت للتعويض، وهذا سيشكل إرهاقا كبيرا لهم ولنا كأمهات".
استمرار الإضراب
بدوره، أكَّد منسق لجان الخدمات في "الأونروا" في نابلس إبراهيم صقر على استمرار الإضراب حتى تستجيب الوكالة لمطالب العاملين، مشيرا إلى أنهم معنيُّون بإنهاء الإضراب وعودة الحياة الطبيعية للمخيمات، لكن بعد تنفيذ شروطهم.
وأضاف صقر في حديث له "إنَّ وزير العمل بالضفة أحمد مجدلاني قدّم مبادرة لحل الأزمة بين الوكالة والعاملين، أكدت على ضرورة صرف الوكالة للمستحقات التي خصمت من العاملين أثناء الإضراب قبل استئناف الدوام، إلا أن الوكالة رفضت وشددت على موقفها المتمثل بالعودة إلى الدوام ومن ثم الحديث عن الأمور المتعلقة بالمستحقات".
ودعا صقر الوكالة إلى "ضرورة الاستماع لمطالب الاتحاد والعودة إلى الحياة الطبيعية للاجئين الذين تضرروا أكثر من غيرهم نتيجة تغييب الخدمات التعليمية والصحية والإغاثية لهم في ظل استمرار الإضراب".
وأكَّد على وجود تضرر كبير في المخيمات بسبب تراكم النفايات وتزاحمها في الشوارع والأزقة، مشيرا إلى أن لجان الخدمات في الوقت الحالي هي التي تتكبد مسؤولية التنظيف في المخيمات، ففي مخيم بلاطة تقوم لجان الخدمات بدفع مبلغ 1400 شيكل يوميا للتنظيف.
إضراب.. يليه تعويض
من جانبه، أكَّد عضو اتحاد العاملين في وكالة الأونروا فريد مسيمي أنَّ الاتحاد قدَّم تنازلا في قبوله الجلوس مع إدارة الأونروا للتفاوض معها حول مطالب العاملين، وقال: "إن ذهاب الاتحاد للمفاوضات والخضوع لها وقبول المبادرة هو بحد ذاته تنازل".
وأشار إلى أنَّ الوضع على ما هو ولم يحدث أي تغيير في موقف الطرفين.
وأوضح المسيمي أنَّ الإضراب سبب ضررا كبيرا للطلاب، مؤكدا على وجود برنامج تعويض، وأنَّه سيتمُّ اقتطاع العطل الرسمية والإجازة بين الفصلين الدراسيين من أجل تعويض أيام الدراسة التي مضت خلال الإضراب.
وبلغ عدد العاملين المضربين عن العمل خمسة آلاف موظف، إضافة لألفين من العاملين في برنامج الطوارئ، بينما حرم 60 ألف طالب من التعليم، وبقي آلاف المرضى من الرجال والنساء والأطفال دون علاج في 19 مخيما بالضفة.
ويطالب الموظفون في الوكالة بإقرار زيادة قيمتها 4% على الراتب الأساسي وربط الرواتب بجدول غلاء المعيشة.
كما يطالبون بإعادة ما خصم منهم في إضرابهم السابق ومنح كافة العاملين حقوقهم في العلاوات المقررة، منها علاوة القدس أسوة بموظفي السلطة الفلسطينية، واعتماد مبدأ التثبيت، بينما تصر إدارة الأونروا على عودة الموظفين لعملهم قبل الحديث عن أي تفاصيل.