[color:80ee=#000000][color:80ee=#000000][center][center][font:80ee=century gothic][size=16][color:80ee=darkgreen]: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق.
للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه للصلاة، وموقف بين يديه يوم لقائه، فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه، شدد عليه ذلك الموقف، قال الله تعالى: }وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا{ [الإنسان: 27].
كان شميط بن عجلان يقول في مواعظه: إن المؤمن يقول لنفسه: إنما هي ثلاثة أيام: فقد مضى أمس بما فيه، وغدًا أمل لعلك لا تدركيه، إنما هو يومك فإن كنت من أهل غد فسيجيء رب غد برزق غد، إن دون غد يومًا وليلة تخترم فيه أنفس كثيرة فلعلك المخترم فيه.
كفى كل يوم همه، ثم حملت على قلبك الضعيف هم السنين والدهور والأزمنة وهم الغلاء والرخص وهم الشتاء قبل أن يجيء، وهم الصيف قبل أن يجيء، فماذا أبقيت من قلبك الضعيف للآخرة؟
ما تطلب الجنة بهذا، متى تهرب من النار؟ كل يوم ينقص من أجلك ثم لا تحزن. أعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع.
فالعجب كل العجب لمن صدق بدار الحيوان كيف يسعى لدار الغرور.
أخي أختي ! أين نحن من هؤلاء؟!
قال أبو مسهر: ما رأيت سعيد بن عبد العزيز ضحك قط، ولا تبسم، ولا شكا شيئًا قط.
وقال بعض أصحاب الحسن: كنا ندخل على الحسن فما هو إلا النار والقيامة والآخرة وذكر الموت([1]).
وعندما سأل الحجاج سعيد بن جبير متعجبًا: بلغني أنك لم تضحك قط!!
قال له: كيف أضحك وجهنم قد سعرت، والأغلال قد نصبت، وال**انية قد أعدت.
وعندما بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي([2]).
أين أصحاب السهر والسمر والضحكات التي تجلجل من هذه الدرر؟!
امنع جفــونك أن تذوق منامًا
وذر الدموع على الخدود سجامًا
واعلم بأنــك ميت ومحـاسب
يـا من على سخط الجليل أقاما
لله قوم أخـلصـوا في حــبه
فـرضى بهـم واختصهم خداما
قوم إذا جـن الظـلام عليهـم
باتـوا هنـالك سـجدًا وقياما
خمص البطون من التعفف ضمرا
لا يعـرفون سوى الحلال طعاما
أخي:أختي
قال ابن عون: لا تثق بكثرة العمل فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا؟!
ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري أكفرت عنك أم لا؟ إن عملك مغيب عنك كله([3]).
وقال الحسن: أدركت أقوامًا لو أنفق أحدهم ملء الأرض ما أمن لعظم الذنب في نفسه([4]).
وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، فضيعوا أمره ونهيه، ونسوا أنه شديد العقاب، وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند.
قال معروف: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق.
وقال بعض العلماء: من قطع عضوا منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا([5]).
ولنر البون الشاسع والفرق الكبير بيننا وبين من سبقنا.. بماذا كانوا يطرزون مجالسهم وبماذا كانوا يجملون حديثهم؟
قال موسى بن مسعود: كنا إذا جلسنا إلى الثوري كأن النار قد أحاطت بنا لما نرى من خوفه وفزعه.
وكان سفيان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم.
وصح أن زرارة بن أوفى صلى بالناس الغداة، فلما قرأ: }فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ{ خر مغشيًا عليه فحمل ميتًا([6]).
أخي.. أين نحن من هؤلاء؟!
بكى بُديل بن ميسرة حتى قرحت مآقيه([7])، فكان يعاتب في ذلك فيقول: إنما أبكي من طول العطش يوم القيامة([8]).
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير بين الرجاء والخوف يقول: لو نادى مناد من السماء: أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحدًا، لخفت أن أكون هو، ولو نادى مناد: أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلاً واحدًا لرجوت أن أكون هو([9]).
عن عروة عن أبيه قال: كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة أسلم عليها، فغدوت يومًا فإذا هي قائمة تقرأ: }فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ{ وتدعو وتبكي وترددها. فقمت حتى مللت القيام فذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت فإذا هي قائمة كما هي، تصلي وتبكي([10]).
عن إبراهيم التيمي قال: لقد أدركت ستين من أصحاب عبد الله في مسجدنا هذا أصغرهم الحارث بن سويد وسمعته يقرأ: }إِذَا زُلْزِلَتِ{ حتى بلغ: }فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ{ قال: فيبكي ثم يقول: إن هذا الإحصاء شديد([11]).
أخي المسلم:
الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حط عن رحالهم إلا في الجنة أو النار، والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذة وراحة، إنما ذلك بعد انتهاء السفر، ومن المعلوم أن كل وطأة قدم أو كل آن من آنات السفر غير واقفة ولا المكلف واقف وقد ثبت أنه مسافر على الحال التي يجب أن يكون المسافر عليها من تهيئة الزاد الموصل، وإذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم الاستعداد للسير([12]).
قال الجنيد كنت بين يدي السري ألعب وأنا ابن سبع سنين، فتكلموا في الشكر، فقال: يا غلام ما الشكر؟ قلت: أن لا يعصى الله بنعمه، فقال: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك.
قال الجنيد: فلا أزال أبكي على قوله([13]).
وتأمل أخي الكريم في بعد النظرة وصدق الإخلاص والخوف من الله عز وجل.. قال يونس بن عبيد دخلنا على محمد بن واسع نعوده فقال: وما يغني عني ما يقول الناس إذا أخذ بيدي ورجلي، فألقيت في النار([14]).
وقيل عن يونس بن عبيد: ما كان بأكثرهم صلاة ولا صومًا ولكن لا والله ما حضر حق لله إلا وهو متهيئ له([15]).
ونظر عمر بن عبد العزيز إلى رجل متغير اللون فقال له: ما الذي أرى بك؟
قال: أسقام وأمراض يا أمير المؤمنين إن شاء الله.
فأعاد عليه عمر فأعاد الرجل مثل ذلك ثلاث مرات.
فقال: إذا أبيت إلا أن أخبرك، فإني ذقت حلاوة الدنيا فصغر في عيني زهرتها وملاعبها، واستوى عندي حجارتها وذهبها، ورأيت كأن الناس يساقون إلى الجنة وأنا أساق إلى النار، فأسهرت لذلك ليلي وأظمأت له نهاري، كل ذلك صغير حقير في جنب عفو الله وثواب الله عز وجل وجنب عقابه([16]).
أخي المسلم:
لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمرٌ، وله عليه فيه نهي، وله فيه نعمة، وله به منفعة ولذة، فإن قام لله في ذلك العضو بأمره واجتنب فيه نهيه فقد أدى شكر نعمته عليه فيه وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به، وإن عطل أمر الله ونهيه فيه عطله الله من انتفاعه بذلك العضو، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته.
وله عليه في كل وقت من أوقات عبوديته تقدمه إليه وتقربه منه، فإن شغل وقته بعبودية الوقت تقدم إلى ربه، وإن شغله بهوى أو راحة وبطالة تأخر، فالعبد لا يزال في تقدم أو تأخر ولا وقوف في الطريق البتة. قال تعالى: }لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ{([17]).
ومن رأى حال الناس اليوم لم يجد للخوف في قلوبهم موطنًا ولا للوجل في أنفسهم مكانًا، بل ألهتهم الدنيا وغرتهم الأماني. فلا يرجون جنة ورحمة ولا يخافون نارًا وغضبًا.[/color][/size][/font][/center]
[/center]
[/color][/color]