[center]من السيّد جعفر إلى الفريق الكبيسي .. سقوط فقه الكبسول وانفضاض عرس الواوية
(( جعفر ابن أبوه .. ومن شابه أباه فما ظلم ))
رأيت صورته للمرة الأولى في الانتخابات الأخيرة في دعايات قائمة المالكي ، ملامحه البريئة وقسماته الهادئة جعلتني أخمّن بأنه رجل ساذج غرّ ، ما يجعله عرضة للتغرير والنصب . قلت يومها ما لذي يجعل رجلا يحمل بين جوانحه جذوة الفكر والثورة والعفة التي ورثها من أبيه ينخرط في عصابة بائسة من الخونة والسراق الفاسدين . بصراحة لم ألتمس له عذراً آنذاك . مضت القصة ولم أكن اعلم إن ملامح الرجل الوادعة لم تكن تعبّر عن البلاهة والركون بقدر ما كانت تكشف عن صفاء عميق ونقاء لا يقبل التلويث .
كان يمكن للسيد جعفر محمد باقر الصدر أن يبقى في الموقع والمنصب الذي وصل إليه وكان يمكن أن يحوز رئاسة الوزراء دون منازع فالجماعة لا يستطيعون دفعه عن ذلك و لحمُ أكتافهم من خير أبيه . حسابات الطائفة كانت تحثه على السكوت بلا لوم . احتمالات عودة الذين قتلوا أبيه كانت تسوّغ له ركوب كلّ مركب . ومثلما نعلم إنّ هذه الاحتمالات صارت اليوم مسوّغ لكلّ رذيلة و انحطاط .
احتمالات ... مسوّغات .... حسابات .. أشياء كانت تحمله على الانخراط في (عرس الواوية ) . ثم الشرف .. والعفة ...والدين ..و الوفاء للآباء وأشياء أخرى كانت تحمله بعيدا عن هذه الدائرة القذرة .
قرر السيد جعفر الاستقالة فأثبت إن الشرف ليس فقط نسبٌ يورث وإنما موقفٌ يُتّخذ . وفي الوقت الذي كان فيه قراره ذاك إعلاناً عن شخصه كان أيضا حجةً بالغة على غيره .
قرر السيد الأستقالة دون ضجيج ولكن أثر فعله كان سريعاً وصاخبا . الناس في كلّ مكان من أرض الوطن سيتبعون خطاه المخلصة ويستقيلون من الذل والسكوت والهوان والحسابات الجزئية المريضة . فلا حساب إلا للوطن والكرامة .
لم يعد الناس ينتظرون فتوى المراجع ورجال الدين للخروج على الظلم والانتفاض على الرذيلة ، الوضع السيئ يعطينا المبرر و يعلن لنا فتوى الخروج ورفض المذلة . بعض رجال الدين الخونة يريدوننا قطعانا بلا عقل وبلا قرار وبلا كرامة . السيد جعفر لم يستشر مرجعا عندما قرر الخروج بل إنه تعرض إلى ضغوط منهم تطلب بقاءة . نحن يجب أن نكون مثله . رجال الدين الخونة الآن منزعجون كثيرا لأن الشعب يكتب قصته بعيدا عنهم . لم نعد بحاجة لفتاواهم .. لقد شببنا عن الطوق .
هذه الجموع الهادرة – أو حتى المبعثرة – في ساحات المدن لا ترعب السياسيين الفاسدين وحدهم وإنما ترعب رجال الدين الفاسدين أيضا ، فهم حلفاء في الجريمة . وتجمعاتنا تعلن إننا خرجنا من قبضتهم وتظليلهم .
أحدهم يطالب بأجراء إستفتاء على الخدمات ثم القيام بالتظاهر بعد ستة أشهر أو سنة . يا للعار وهل يوجد أكثر وضوحا من خروج الشعب في كل المدن مطالبا بالخدمات . نصدق من؟ هل نصدق أوراق إستبيانك ؟ أم نصدق الفقر والعوز والسرقات وكتل الكونكريت والشوارع المهترئة والكهرباء المعدومة والبطالة والمزابل . أبعدوا عنّا أوراقكم رجاءً واستعملوها لشأن آخر .
وبعضهم يخشى على المظاهرات من المندسين . من هم المندسون ؟ سيقولون إنهم الإرهابيون و أزلام النظام السابق . إذن لماذا يندس هؤلاء ليخربّوا المظاهرات ويرعبوا أهلها ويفشلوا مسيرتها وهي لا تطالب إلا بإسقاطكم وهو ما يريدون . والله لا يوجد مندسون إلا من رجالكم و ميليشياتكم . ولن يفسد المظاهرات إلا عصاباتكم المجرمة كما تبيّتون . إتهام الناس المطالبين بحقوقهم بأنهم بعثيون ليست في صالحكم . فأنكم بذلك تعترفون بان البعثيين لا زالوا بالملايين في جنوب العراق قبل وسطه وغربه . والأمر غير ذلك .
لم يدع رجال الدين الفاسدين وسيلة إلا اتبعوها لتوهين الشعب وثنيه عن إرادته وبث الارتباك في صفوفه حتى وصل تآمرهم إلى أن أصدر أحدهم فتوى تحرّم الخروج في المظاهرات وتسربت تلك الفتوى بين الناس في النجف وبغداد ومدن الجنوب قبل يومين . هذه الفتاوى وغيرها أشبه بكبسولات المورفين التي تريد تخدير الشعب . أبشّركم فالدين لم يعد أفيونا للشعوب وإن كنتم تعدّونه كذلك . تحثّون الناس على ممارسة الشعائر طالما كانت بعيدة عن إثارة العقبات والأسئلة في وجوهكم ، وتمنعونهم من المطالبة بكرامتهم وحقوقهم .
الشعب قد صحا من غفوته ، والسيد جعفر الصدر لم يكن وحيدأ ، فهذا عراقي شريف آخر من مكان آخر وانتماء آخر يسير على خطى جعفر ويعلن بصراحة رفضه للفساد والعمالة والنذالة والطائفية بفصاحة أخجلت كل المقالات التي نكتبها في الجرائد وصفحات الويب . إنه الفريق عبد العزيز الدوري مدير الأفراد في وزارة الدفاع الذي أعلن إستقالته بشجاعة منقطعة النظير قبل يومين . ومهما قال البعض عن دوافع الرجل فأن شجاعته وحدها تكفيه فخرا .
بين خطوة جعفر وخطوة الكبيسي تأريخ وطن ومصير شعب سنصنعه بخطواتنا ... نحن شعب يصحو الآن من غفوته . [/center]